خطة مصر لزراعة الصحراء تثير جدلا بسبب مياه النيل والسياحة

العفو وشكرا ليكي علي المرور والرد الجميل

</A>

هل يتحقق هذا المشهد في الصحراء المصرية؟


القاهرة - رويترز - يبدو المشهد كالسراب.. ولكن الحقول الخضراء حيث تنمو ازهار القرنبيط وأشجار الخوخ والشمام على مساحات شاسعة من الصحراء شمالي اهرامات الجيزة امر واقع ودليل على عزم مصر تخضير الصحراء.
وفي حين ساعدت التغيرات المناخية والتوسع في استغلال الاراضي الكثير من الصحاري في العالم تجري خطى تخضير الرمال في مصر ببطء فيما تسعى لزيادة الرقعة التي يقطنها مواطنوها الذين يتزايدون عددا.
يشير طارق الكومي (45 عاما) بفخر لاشجار الموز التي زرعها على ارض كانت من قبل قاحلة قرب مركز تنمية الصحراء الى الشمال من القاهرة حيث يجري علماء تجارب لاستخدام التكنولوجيا المتقدمة في زراعة الصحراء التي تمثل معظم مساحة مصر. وقال "كل هذه المساحة لم تكن سوى رمال. يمكن الان ان نزرع اي شيء."
ويعيش جميع سكان مصر تقريبا وعددهم 74 مليون نسمة على ضفاف نهر النيل او على شواطيء البحر المتوسط نظرا لان خمسة بالمئة فقط من مساحة مصر تصلح للسكنى.
والقاهرة واحدة من اكبر المدن من حيث الكثافة السكانية على وجه الارض ومن المحتمل ان يتفاقم الازدحام الذي يعاني منه السكان بالفعل اذ يتوقع ان يتضاعف تعداد سكان مصر بحلول عام 2050.
لذا تحرص الحكومة على تشجيع الناس على الانتقال للصحراء بالمضي قدما في خطة تتكلف 70 مليار دولار لاستصلاح 4ر3 مليون فدان تقريبا من الاراضي الزراعية على مدى السنوات العشر المقبلة.
ومن الحوافز المقدمة توفير اراض بسعر رخيص لخريجي الجامعات.
وكي تصبح تلك المناطق قابلة للسكنى والزراعة ينبغي ان تستغل الحكومة الموارد المائية القليلة لنهر النيل نظرا لندرة هطول الامطار على مصر.

واثارت الخطة جدلا بين بعض انصار الحفاظ على البيئة ويقولون ان تخضير الصحراء غير عملي وغير قابل للتطبيق على المدى الطويل وربما يؤدي لنتيجة عكسية في النهاية.
وتساءل اندرز ياجرسكوج مدير معهد ستوكهولم الدولي للمياه في السويد عن حكمة استغلال موارد مائية قيمة في الزراعة في مناطق صحراوية غير ملائمة للزارعة وحيث تتبخر المياه سريعا بسبب حرارة الشمس الشديدة. وقال "الصحراء ليست أفضل مكان لزراعة الغذاء. من منظور سياسي ربما يكون هناك مغزى من اجل توفير فرص عمل لعدد اكبر من الناس رغم انه غير منطقي من منظور المياه."
كما ان نطاق عمليات الاستصلاح قد يؤجج التوترات الاقليمية بشأن ترتيبات اقتسام مياه النيل اذ ان مصر تحتاج من اجل تخضير الصحراء لاكثر من حصتها التي حددتها معاهدات دولية.
ويهدف مشروع توشكي لاستصلاح اراض صحراوية في جنوب مصر لزيادة مساحة الاراضي الزراعية بنحو 40 في المئة بحلول عام 2017 ويحتاج حوالي خمسة مليارات متر مكعب من المياه سنويا.
ويقلق ذلك جيران مصر الى الجنوب وهم غير راضين بالفعل عن ترتيبات اقتسام مياه نهر النيل. وينص الاتفاق المبرم بين مصر والسودان في 1959 على ان تحصل مصر على 5ر55 مليار متر مكعب من المياه سنويا وهو يزيد عن نصف اجمالي حجم تدفقات المياه في النيل.
ولم تخصص رسميا حصة من مياه النيل لاثيوبيا حيث منبع النيل الازرق ولكن هذا البلد الذي يعاني من المجاعات المتكررة يعتمد بشكل مكثف على المياه لتنمية الزراعة.
وقالت ساندرا بوستل مديرة مشروع سياسة المياه العالمية ومقره الولايات المتحدة "سيزيد مشروع توشكي من تعقيد تخصيص مياه نهر النيل لاثيوبيا وغيرها من دول حوض نهر النيل بقدر اكبر من المساواة." وتابعت "ربما تهييء مصر الساحة لخطة قد تضر بها في نهاية المطاف."

لكن خبراء اخرين يلمحون الى انه ربما يكون لزاما على مصر ان تسترضي مواطنيها بدلا من الالتفات لمخاوف جيرانها فيما يتعلق بسياسة المياه.
ويضغط التكدس السكاني على البنية التحتية في المدن وتخشى الحكومة ان تستغل جماعات معارضة مثل جماعة الاخوان المسلمين التي تشغل خمس مقاعد البرلمان حالة عدم الرضى.
ويقول مصطفى صالح استاذ علم البيئة بجامعة الازهر في القاهرة "تشعر الحكومة انها بحاجة لتخفيف الازدحام بالمناطق المكتظة بالسكان مما يضغط كثيرا على الموارد مثل الاراضي الخصبة... وتحاول توزيع السكان على مناطق اخرى في البلاد."

ويقول بعض منتقدي الخطة انه ينبغي على مصر تبني السياحة الصحراوية بدلا من الزارعة التي قد لا تستمر طويلا او تدر ربحا وفيرا بل وقد تدمر مواطن الحياة البرية المهددة التي قد تجتذب الزائرين.
وفي العقد الماضي دمر مشروع لاستصلاح الاراضي جنوبي القاهرة جزءا كبيرا من واحة وادي الريان والغزلان التي كانت تتخذ منها موطنا.
ويقول صالح "ثمن هذه الاصول ضخم سواء كتراث طبيعي او كمصدر سياحي." وصالح نائب رئيس شركة مصرية شيدت منتجعا بدون كهرباء يضم منازل من الحجارة والطين وسط بساتين الزيتون والنخيل بواحة سيوة.
ويقول ان المنتجع يبين ان استغلال الصحراء في السياحة البيئية افضل من الزراعة. وتتكلف الليلة في المنتجع 400 دولار واجتذب المشروع ضيوفا من بينهم الامير تشارلز ولي عهد بريطانيا والملكة باولا ملكة بلجيكا.
واضاف قائلا "في مصر.. المياه أهم مورد وينبغي ان نحرص كثيرا عند استخدامها كي نحقق اقصى دخل." وتابع "الزراعة ليست افضل بديل لمصر. السياحة التي تعتمد على
الطبيعة يمكن أن دخلا اكبر بكثير."
وفي مركز تنمية الصحراء تأتي مياه الري عبر قناة تتصل بالنيل الذي يبعد حوالي 15 كيلومترا لتسهم في نمو المحاصيل والحشائش التي ترعى عليها الابقار. ويعتقد الخبراء في المركز ان تخضير الصحراء ربما يكون افضل امل لمصر لتحقيق الرخاء لمواطنيها.
ويقوم عمال بالحاق نباتات مثمرة بجذوع نباتات تتحمل الظروف الصحراوية بشكل جيد. والفواكه المفضلة هي الموالح لانها تنمو في الجو الحار ويمكن ان تصل لارفف المتاجر في اوروبا بعد ساعات من جمعها.
ويقول ريتشارد توتويلر مدير مركز تنمية الصحراء في الجامعة الامريكية بالقاهرة ان القرب من الاسواق الاوروبية وعدم وجود الافات التي عادة ما تنتشر في بيئة رطبة تجعل الزراعة الصحراوية مجدية اقتصاديا.
وتابع أنه من غير المفترض ان تمثل امدادات المياه مشكلة في السنوات العشر المقبلة على الاقل. وأضاف ان التوسع الزراعي في اراض كانت غير مستغلة من قبل امر معقول.
ومضى قائلا "لا يوجد ندى ولا شمس تسطع طوال الوقت. تنمو النباتات بسرعة."